معلومات اونلاين
مقالات مشابهة
من هو كليم الله
يجدر بالذكر في بداية الحديث حول من هو كليم الله التطرُّق إلى موضوع تكليم الله تعالى لأنبيائه ورسله، فقد أخبر الله تعالى في القرآن الكريم أنَّ طرق تبليغ الرسالات للرسل متعددة منها ما كان عن طريق الوحي وهو جبريل -عليه السلام- ومنهم من كلمهم الله تعالى من رواء حجاب، أي أنَّه تعالى يكلمِّهم ولكن دون أن يروه، حيثُ يقول تعالى في محكم التنزيل: “وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ”، وقد جعل الله تعالى نبيَّه موسى -عليه السلام- واحدًا من الذين كلمهم واختاره لذلك التكريم والتعظيم، وتلقَّب موسى -عليه السلام- بلقب كليم الله تعالى.
قصة النبي كليم الله
تبدأ قصة النبي كليم الله تعالى في القرآن الكريم في زمن فرعون عدوِّ الله الذي كان يحكم بلاد مصر في تلك الفترة، وفي قصة ولادته -عليه السلام- معجزة وعبرة من الله تعالى، فقد رآى فرعون في منامه قبل ولادة موسى كليم الله أنَّ نارًا تقبلُ من القدس وتقوم بإحراق أهل مصر عدا بني إسرائيل، فطلب تفسير المنام من كهنته، فأخبروه أنَّه قد يخرجُ رجلٌ من ذلك البلد أو من بني إسرائيل ويكون نهاية حكم الفراعنة على يديه، عند ذلك أمرَ فرعون بقتل جميع ذكور بني إسرائيل الذي يولدون بعد ذلك اليوم، ولكنَّ الله تعالى قادرٌ على حفظ نبيِّه من كيد فرعون، فبعد ولادته أوحى إلى أمِّه أن تلقيه في نهر النيل وتكفَّل الله بحفظه، فوضعت الوليد في صندوق وألقته في النهر حتى وصل إلى مكان قريب من قصر فرعون، فوجدته امرأة فرعون وعندما رأت الطفل ألقى الله محبته في قلبها وقد كانت عاقرًا، وبعد إصرارها على الاعتناء بالطفل وافق فرعون مكرهًا على ذلك، ولكنَّ موسى رفض الرضاعة من جميع المرضعات في القصر، حتَّى أوصلهم الله إلى والدته فتولَّت رضاعته وردَّ الله تعالى وليدها إليها بقدرته.
تربَّى موسى في قصر فرعون دون أن يعلم فرعون أصل موسى ودون أن يعرف أن هلاكه سيكون على يد موسى بعد حين، وبعد أن شبَّ موسى -عليه السلام- علم أنَّ أصله يعود إلى بني إسرائيل الذين يمارس فرعون وزبانيته في حقِّهم شتى أنواع الظلم والاضطهاد، وفي أحد الأيام رآى رجلان يتقاتلان وكان أحدهما من أبناء قومه، فانتصر لصاحبه وقتل رجلًا من المصريين عن طريق الخطأ أثناء دفاعه عن أبناء قومه المستضعفين، فتآمر عليه القوم يريدون أن يقتلوه فنصحه أحد الرجال المؤمنين بالخروج من مصر قبل أن يلقى حتفه على أيدي أولئك الطغاة.
فهربَ إلى أرض مدين حيثُ التقى هناكَ نبيَّ الله شعيب فزوَّجه من ابنته وعمل عنده لمدة عشر سنوات، وبعد انقضاء الفترة التي اتفقا عليها خرجَ عائدًا إلى مصر مع أهله، وفي طريق العودة رآى قبسًا من النار في ليلة شديدة البرد والمطر والظلمة فترك أهله وتولَّى شطر ذلك المكان، راجيًا أن يلقى هناك نارًا يهتدون بها، ولكنّه عندما وصلَ خاطبه الله تعالى وأمره أن يتوجَّه إلى فرعون وقومه يدعوهم لعبادة الله وتركِ ما هم عليه من كفر وشرك، وأيده بأخيه هارون فتوجَّها إلى فرعون وبلَّغه الرسالة وتحدَّاه بالمعجزات التي أيده الله بها ولكنَّ فرعون رفض وأصرَّ على كفره واتَّهم موسى وهارون بامتهان الشعوذة والسحر واستخدامها من أجل تضليل المصريين وإبعادهم عن طريقتهم المثلى في الإيمان والعبادة.
فخرج فرعون وجنده يطارون موسى وبني إسرائيل، فتمكن موسى وقومه من اجتياز البحر بعد أن ضربه بعصاه وعندما خرجوا من البحر لحق فرعون وجنوده بهم فأغرقهم الله تعالى في البحر وجعلهم عبرة وآيةً للعالمين إلى قيام الساعة.
دلالة لقب كليم الله
بعد معرفة من هو كليم الله والمرور على قصة حياته بالتفصيل، سيُشار إلى دلالة لقب كليم الله، فقد جعل الله تكليمه لبعض الأنبياء ومخاطبته لهم تكريمًا لهم ورفع درجات، فالتكيلم هو منزلة رفيعة جدًّا يهبها الله لأحد أنبيائه يصطفيه ويقربه إليه، حيثُ يقول تعالى في سورة البقرة: “تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ”، وفي الآية إشارة إلى أنَّ الله فضَّل بعض الرسل والأنبياء على بعض من خلال التكليم وغير ذلك، ومنهم موسى -عليه السلام- أحد أولى العزم من الرسل فقد كلَّمه الله واصطفاه، حيثُ قال تعالى: “وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ”، وقال أيضًا: “وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا”، ولذلك حملَ موسى نبيُّ الله لقبَ كليم الله، وقد وردَ في غير موضع من كتاب الله إشارة إلى ذلك أيضًا.
معجزات كليم الله
لقد أيَّد الله تعالى أنبيائه ورسله بالمعجزات حتَّى يقيمَ الحجة على الناس، وحتَّى يؤكدَ لهم ما جاء به الأنبياء من رسالة عليهم تبليغها، ومن أولئك الأنبياء كليم الله موسى -عليه السلام- فقد أيَّده الله تعالى بعدد كبير من المعجزات، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج أهم معجزات كليم الله:
- معجزة العصا وهي العصا التي كان كليم الله يهشُّ بها على غنمه ويقضي بها بعض الحوائج، فحولها الله تعالى إلى أفعى عظيمة التهمت ما صنعه سحرة فرعون من سحر ليسحروا أعين الناس.
- معجزة اليد البيضاء وهي أنَّ كليم الله كان يدخل يده في جيبه ويخرجها بعد ذلك بيضاء من غير سوء، وقد ورد ذلك في كتاب الله تعالى.
- انقسام البحر بالعصا بعد أن ضربه موسى عندما كان هاربًا هو وقومه من فرعون وجنوده.
- ضرب الحجر بالعصا وانبجاس الماء منه وتفجره عيونًا.
- تظليله بالغمام.
- إنزال طعام المن والسلوى عليه وعلى قومه.
- إنقاص المحاصيل والثمرات لدى فرعون وقومه.
- الآيات التي أرسلها الله على فرعون وقومه عقابًا لهم لرفضهم الإيمان بالله وقد ذكرها الله في سورة الأنعام وهي: الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.
موسى عليه السلام في القران الكريم
بعد معرفة من هو كليم الله من الضروري الوقوف على قصة موسى -عليه السلام- في القرآن الكريم، حيثُ تعدُّ قصة موسى من أكثر القصص التي وردَ الحديث عنها في كتاب الله تعالى، ولم يتناول القرآن الكريم بالحديث نبيًّا أكثر من موسى -عليه السلام-، حيثُ وردَت في مواضع كثيرة ومختلفة من الآيات والسور الكريمة في القرآن مثل: سورة البقرة وسورة الأعراف وسورة إبراهيم وسورة الإسراء وسورة طه وسورة النمل وسورة الشعراء وسورة الدخان وسورة النازعات وغيرها من السور.
حيثُ يذكر الله قصة موسى بمختلف محطات حياته، بدءًا من ولادته وإلقائه في النهر ثمَّ رعاية آل فرعون له ثمَّ هربه من فرعون إلى أرض مدين وتزوجه من ابنة النبي شعيب ثمَّ عودته بعد عشر سنوات، ومخاطبة الله له أثناء طريق عودته وتبلغيه الرسالة ودعوته لفرعون وقومه لعبادة الله ثمَّ هروبه وقومه من مصر وإغراق فرعون وجنوده في البحر وقصة التيه التي أصابت قومه، وكمثال على ذلك يقول الله تعالى في سورة إبراهيم: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ”، وفي سورة الإسراء يقول تعالى أيضًا: “وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا”، وقد تكررت قصة موسى في القرآن الكريم بسبب العبَر والعظات الكثيرة والعظيمة التي فيها والتي جعلها الله عبرةً للعالمين.
دعاء سيدنا موسى عليه السلام
وردَت في كتاب الله تعالى عدَّة أدعية لسيدنا موسى -عليه السلام- وفي أكثر من سورة من سور القرآن، ولكنَّ أشهر دعاء دعاه نبيُّ الله موسى عندما كلَّفه الله تعالى بالرسالة، وأمره بالذهاب إلى فرعون ليدعوه هو وقومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وكانت هذه مهمة عظيمة يقوم بها كليم الله، فتوجَّه إلى الله داعيًا بذلك الدعاء، حيثُ يقول الله تعالى في سورة طه على لسان موسى: “قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي* وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي”،
وقبل ذلك عندما قصدَ أرض مدين هاربًا من مصر، وعندما وصل أرض مدين قدَّم المساعدة لفتاتين تسقيان قطيعًا من الأغنام وكان والدهما النبي شعيب -عليه السلام- فدعا موسى عند ذلك وقد شعر بافتقاره إلى الله، ويقول الله تعالى في سورة القصص: “فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ”، وفي ذلك إشارة إلى النعم التي أنعمها الله على نبيِّه بالنجاة من فرعون وإيجاد المكان الآمن، والله أعلم.
